تساؤلات بين يدي نكبة فبراير
ممصة ٢٦ سبتمبر – بقلم / عبدالله الدهمشي
عندما يصل النظام السياسي، اي نظام وكل نظام إلى حالة من الجمود في بنيته الكلية أو الجزئية وتتعطل بعض وظائفه او كلها فإنه يدخل في دوامة أزمة تستدعي من جماعات المصالح التحرك احتجاجا وسعيا إلى فرصة سياسية تكسر الجمود القائم وتعيد الحيوية إلى بنية ووظائف هذاالنظام.
وقد يكون النظام السياسي بحاجة الى استكمال بنى ووظائف الرشد في مرجعياته ومؤسساته فيتحرك اصحاب المصلحة من تطور هذا النظام في نشاط احتجاجي يحقق اهدافهم ويضمن لهم ما ينشدونه من مصلحة في المجال السياسي العام كما حدث مع السود والنساء في الولايات المتحدة الأمريكية خلال عقود القرن العشرين.
الاحتجاجات الشعبية وما تصنعه من فرص سياسية كانت أبرز ما وقف عنده علماء السياسة والاجتماع بعد الاحتجاجات الشعبية في دول أوروبية بستينيات القرن الماضي وذلك لتحديد اطار تفسيري للحراك المجتمعي وإدارته لتجنب الفوضى والوصول به إلى الفرصة التي تتيح للقوى السياسية تطوير النظام ومؤسساته.
ساتوقف عند اليمن فقط في سياق ماعرفته بعض الأقطار العربية من أحداث في العام 2011م ساربعضها في طريق الحراك الاحتجاجي وتحول بعضها الى مآسي مستمرة بفعل ما ارادته قوى خارجية من مصالح هناك وكانت اليمن واحدة من تلك الاقطار التي انحرف حراكها الاحتجاجي عن مسار صناعة الفرصة السياسية وتحول الى نكبة كاملة وماساة مستمرة.
كانت الأزمة السياسية قد وصلت بنظام الرئيس الراحل علي عبدالله صالح إلى تعطيل العملية الانتخابية وتشويه الديمقراطية الناشئة والدخول في أزمة متفاقمة تستدعي الحراك الجماهيري بعد تورط الأحزاب السياسية في مفاسد النظام القائم بفعل ترهل قادة العمل السياسي وتكلس تفكيرهم بحكم الشيخوخة والعجز الذهني عن المبادرة لذلك تحركت جماهير شعبية يتصدرها الشباب وبدأوا في حراك احتجاجي بفبراير 2011م .
لكن نزق بعض الساسة ولاغراض شخصية تتعلق بالمال والارتباطات الخارجية ذهبوا بهذا الحراك بعيد عن طبيعته الاحتجاجية بوهم الإدعاء انه ثورة شعبية اوشبابية سلمية مما افقد الحراك الجماهيري واقعيته ورؤيته لأهدافه ومصالحه المرجوة وحوله إلى انتكاسة نظرية وعملية لم تتورع عن السقوط الأخلاقي حين ركزت على ان المشكلة والازمة مع النظام الحاكم ليست في بنيته ووظائفه وأنما في شخصه ونسبه غير الشريف الى بيت عفاش وليس كما كان سائدا في سنوات حكمه إلى بيت الأحمر.
لم تكن هذه الانحرافات نزقا فرديا محدودا وإنما كانت حركة منظمة تجمع القبيلة والتنظيم الديني وتستهدف بتخطيط محكم التخلص من شخص عفاش وليس تغيير نظامه القائم على الأثرة والاستحواذ ولذلك علا صراخ ارحل وإسقاط النظام على رؤية التغيير وسبل الوصول إليهابطرق سلمية.
وإلى الآن تستمر بعثرة من وصفوا أنفسهم بقيادات الثورة الشبابية في قوائم التقاسم البغيض للمناصب الحكومية في السلطة الإنتقالية وما آلت إليه من حروب داخلية وخارجية وكانت النكبة الحقيقية في فشل الحراك الاحتجاجي وعجزه عن التحول الى تيار شعبي مؤتلف حول فكرة التغيير الإيجابي ومنظم في اطر قادرة على الإستمرار والتطوير.
ولعل الفوضى التي انحرف اليها الحراك الشعبي في اليمن تتجسد الآن في المآل الذي جمع بين رموز الحراك الشعبي ورموز النظام في عواصم التشرد بعيدا عن اليمن الذي تنهبه العصابات المسلحة الطائفية والمناطقية وتدمر ما كان عليه من جمهورية ووحدة وديمقراطية ناشئة والمحزن في كل هذا ان لا احد في هذا المصير المشترك يتحرك نحو المراجعة الواجبة لاستعادة الطريق إلى الدولة والطريق الى الجمهورية وديمقراطيتها الناشئة.
في هذه الفوضى المأساوية ظن الحو ثيون أن سقوط النظام الجمهوري بعد سقوط مراكز القوى المتسلطة فيه منذ العام 1968م وبعد العام 1978م يجعل الطريق مفتوحة أمامهم لا ستعادة الإمامة بثوب التطورات التي أحدثتها سلطة الولي الفقيه في إيران وأن المخادعة بشعارات الإنضمام الى محور الممانعة والوقوف في وجه إسرائيل سيمكنهم من إسقاط الجمهورية اليمنية واستبدالها بسلطة الولاية السلالية البغيضة لكن هذا الوهم بكل خرافة الولاية ونزق القوة آل إلى مأساة متزايدة بالحرب والارتهان للقوى الخارجية .
وبتناغم تخاريف الولاية وأوهام الخلافة مع أهداف قوى الفوضى الخلاقة من ميلاد الشرق الأوسط الجديد انتهت حالة الحراك الاحتجاجي وبرزت مخططات الفوضى والتقسيم فتحولت قوى الصراع الداخلي الى وكلاء للخارج تغلب التجاذبات الإقليمية والدولية على المصلحة الوطنية وتضع اليمن كله حاضره ومستقبله رهينة لها.
وإذا كان الحراك الاحتجاجي قد أضاع الفرصة السانحة للإصلاح والتغير وعجز عن التحول إلى فكرة.
وتيار اثناءفترة الاعتصام بالساحات فإن التسوية السياسية لأزمة الصراع بين ركائز النظام قد افضت الى سلطة انتقالية عجزت عن صناعة الفرصة السياسية وعن الوصول بالفترة الإنتقاليةالى نتائج قابلة للتطبيق عبر الحوار ومخرجاته وذلك بسبب تغييب الرؤية السياسية وعدم تأطيرها في تنظيم وحركة تسعى للوصول بها إلى التوافق الممكن في المجال السياسي المتاح.
وهكذا تبرز التساؤلات المشروعة بين يدي نكبة فبراير باليمن لتكون فاتحة الحديث عن ركائز المأساة الراهنة وعن تداعياتها وعن ممكنات الخروج منها بحسم عسكري لدولة قادرة على إسقاط سلطان الميليشيات وسلطاتها أو تسوية سياسية تؤسس لهذه الدولة وتنتقل إليها عبر وسائل عملية قادرة على استعادة الوطنية اليمنية وبناء دولتها على أساس الجمهورية وتجربتها الديمقراطية.
وإجمالا فإن التساؤل المشروع بين يدي نكبة فبراير هو تساؤل الدولة المنهارة بصعود الميليشيات وسطوة التدخل الخارجي وهو تساؤل الوطنية اليمنية المصادرة بالطائفية والمناطقية وتبقى الإجابة الوحيدة عليه معنونة بالجمهورية اليمنية بماهي تطور تاريخي ابتدا بثورة سبتمبر ولن يتوقف عند استعادة الدولة الوطنية.
من حائط الكاتب على الفيسبوك.