ماجد زايد يكتب.. ملاطف والطاسة

منصة ٢٦ سبتمبر – ماجد زايد*

ملاطف الحرازي أبن بلادي، وواحد من الحالات الإسثنائية الذكية والمحظوظة، كان والده وبقية أشقائه يعملون في ضرب الطاسة والبرع، تمامًا كملاطف، كانوا يتجولون القرى الحرازية ليحيون الأعراس والمناسبات بمبالغ ضئيلة جدًا، ومع هذا لم يتغيروا أو يشتهروا أو يتميزوا، وحده ملاطف من أحدث الفرق، ملاطف نشأ في بيت يمتهن البرع، ويشتغل فيها، ويجيدها ويتفرد بمتطلباتها، كانت الطاسة لعبته ووقته وكل تفاصيله وحياته، ليس من أجل الكسب، كلا، بل لأنها تستحوذ على كل شيء في حياة أسرته، لأنهم لا يملكون شغلًا سواها، ومن هنا نشأت العلاقة المختلفة بين ملاطف والطاسة وموهبة البرع، كبر معها، وخبرها، وأجادها، وتمكن منها في عمر صغير وزمن قياسي، حتى أنها كانت الشيء الوحيد الذي لم يعرف عداها شيء طيلة سنوات نموه وبلوغه.

إعتزاز ملاطف بالطاسة وعلاقته الحميمية بها أفرزت في داخله إعتزازًا قويًا بموهبته، وثقة صريحة بأحقيته، وهنا حدث الفرق، فحينا تكون الحرفة الخاصة مصدر إفتخار تحدث الفروقات، أما حينما تكون مصدر إحراج وتذمر فلا شيء يحدث بعدها ولا تغيرات تأخذ بحياة صاحبها لأحلامه وأمنياته، إعتزاز ملاطف بحرفته جعلته سيدها وصيتها الجماهيري الأول، ومنها صنع شكله الفني الخاص، لتتحول العملية برمتها الى ظاهرة خاصة، ظاهرة ملاطف الحرازي، كظاهرة جديدة وفريدة، يأتي بعدها المقلدون والمتقمصون والسائرون على نهجها وفي طريقها، لهذا صارت تسريحة ملاطف إحدى معايير المهنة، وأصبحت دقته الخاصة به هي الأكثر رواجًا وتقليدًا بين جموع المبارعة وضاربي الطيسان.

ملاطف ليس موهوبًا، ولا يملك أيّ موهبة خاصة، لكنه يملك رغبة صادقة واعتزاز حقيقي بحرفة أسرته وأهله، كأول مبرعي يتفرد بهذه الرغبة النادرة والمختلفة، خصوصًا في المجتمع اليمني القبلي المتعامل مع أصحاب حرفة البرع بانتقاص وإزدراء، ملاطف كسر هذا الإنتقاص، وأزال ذلك الإزدراء، وجعلها فنًا رائجًا وشكلًا فرائحيًا منافسًا ومطلوبًا ومحترمًا، وهو ما حقق نجاحاته وأحقيته بالتصدر، ملاطف أوصل المبارعة الى مرتبة الفن، والإحتراف والتعامل بالإحترام، وجعل لهذه الحرفة سعرًا محترمًا وتعاملًا يرقى للتعامل مع الفنانين والموهوبين، لهذا فأن ظاهرة ملاطف عظيمة في نتائجها وعائداتها، وعملًا إستثنائيًا رفع من شأن صاحبها وزاد من أعداد المقبلين عليها وعلى ممارستها، كواحدة من أهم الحرف الشعبية الرائجة، بل وعزز ثقة المبارعة بأنفسهم، وزاد من قناعاتهم بأحقيتهم وجدارتهم في التفنن والإبداع.

ظاهرة ملاطف أنقذت شريحة واسعة من اليمنيين، وأذابت الطبقية والإمتهان الطبقي للمبارعة وضاربي الطيسان، لهذا ملاطف لم يعد شخصًا، لقد صار فكرة ومهنة وفن. وهذا إنتصار بالغ الأهمية والإقتدار.

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى