تعود العلاقة بين نظام الحكم في قطر وتنظيم الإخوان المسلمين إلى بداية الصراع بين حكم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وهذا التنظيم منذ ستينات القرن الماضي وأيضا إلى الصراع بين التنظيم ونظام حكم الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في مطلع الثمانينات، حيث كانت قطر ثاني دولة بعد السعودية تحتضن قادة ورموز التنظيم وفتحت لهم أبواب الجامعات والتعليم والمساجد.
استمرت قطر برعاية التنظيم وارتبطت مع فروعه بالخارج بعلاقات مميزة خصوصاً حركة حماس في فلسطين والإخوان في اليمن سابقا الإصلاح حاليا، وقد تجلت هذه العلاقة وظهرت بشكل فعلي خلال أحداث الربيع العربي في العام 2011 إذ تفردت قطر دوناً عن بقية دول الخليج في موقفها المنحاز والمؤيد للإخوان في مصر واليمن وسوريا وليبيا.
ومع هذا فإن المعلومات تشير إلى أن محاولات قطر ايجاد نفوذ فعلي في اليمن يعود إلى مطلع التسعينات حين أقامت علاقات وثيقة مع بعض الزعماء القبليين في شمال البلاد وبالذات من المعارضين للنفوذ السعودي ومنحتهم جوازات سفر إلى جانب الدعم المالي الذي جعلهم يمتلكون أسلحة ثقيلة، وأظن أن الكثيرين يتذكرون المدافع التي امتلكتها قبيلة وايلة، ونشرت صورها آنذاك صحيفة يمن تايمز، وزاد هذا النفوذ مع دخول الدوحة كوسيط بين السلطة اليمنية المركزية في صنعاء وجماعة الحوثي في بداية المواجهات في صعدة عندما رعت اتفاقا لم ينفذ يقضي بوقف القتال ومغادرة قادة الحوثيين للإقامة في الدوحة بشكل مؤقت.
وفِي سبيل تثبيت الاتفاق توافد مسؤولون وضباط مخابرات قطريون إلى اليمن وزاروا صعدة عدة مرات وأعطتهم الحكومة، حينها، حق التحرك والتنقل بدون مرافقين أو تفتيش عند وصولهم مطار صنعاء أو عند الذهاب والعودة إلى صعدة.
ويمكن القول، إن العلاقة القطرية باليمن شهدت أهم التحولات مع انقلاب الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني على والده عام 1996، ومنذ تلك الفترة بدأت التغيرات بالتقارب الملحوظ مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح، ووفرت الدوحة تمويلات مكنت صالح من تجاوز مرحلة تداعيات حرب صيف 1994، وما شاب علاقة اليمن بالسعودية من آثار الموقف من غزو العراق للكويت 1990.
وخلال هذه الفترة عمقت قطر من حضورها بقوة من خلال إسهامها في تمويل إنشاء عدة مراكز وجمعيات خيرية في مختلف المحافظات اليمنية عبر تمويل جمعيات خيرية ومراكز لراعية الأيتام والتي تدار من قبل تجمع الإصلاح او الجماعات السلفية، وهو ما وفر للحزب حضوراً في الأوساط الشعبية في بلد كان نصف سكانه تحت مستوى خط الفقر قبل أن تدفع الحرب بمعظم السكان حاليا إلى ما دون خط الفقر.
ومع أن قطر ظهرت بقوة على الساحة السياسية اليمنية عقب الحرب الأولى والثانية في صعدة ضد الحوثين إلا أنها فشلت في إنجاح الاتفاق رغم حضور أمير قطر السابق شخصيا إلى صنعاء وتولي مدير مكتبه مهمة رئاسة فريق الوساطة وقدومه إلى اليمن والذهاب إلى صعدة وعقد لقاءات متعددة.
ومع انطلاق الاحتجاجات المناهضة لحكم الرئيس الراحل في فبراير 2011، رمت الدوحة بكل ثقلها إلى جانب الاحتجاجات التي تمكن تجمع الإصلاح من السيطرة عليها واحتوائها، وتولت تمويلها وقيل أيضا إنها دفعت أموالا لبعض المسؤولين اليمنيين لإعلان انشقاقهم عن نظام الحكم حينها، واستطاعت أن توجد حلفاء حقيقيين داخل حزب الإصلاح، على حساب النفوذ السعودي.
وامتد نفوذ قطر إلى الزعماء القبليين والجماعات المتطرفة التي كانت تنشط في اختطاف الأجانب، فدفعت ملايين الدولارات كفدية لإطلاق سراحهم حتى إنها في إحدى المرات نقلت رهينة أجنبية من صنعاء بعد تحريرها ولَم تعلم السلطات اليمنية بالحادثة إلا عند وصول الرهينة إلى العاصمة القطرية.
ومع دخول الدوحة في التحالف الذي قادته السعودية لمحاربة الحوثيين إلا أن الخلافات المتجذرة بينها وبين المملكة والإمارات على خلفية دعم ومساندة جماعة الإخوان وشخصيات متهمة بالإرهاب فرضت نفسها وكانت أقوى من المشاركة الرمزية لقطر في القوات التي أرسلت إلى الحدود الجنوبية للسعودية مع اليمن، حيث أخرجت من التحالف لكنها عمقت من نفوذه وحضوره في الساحة اليمنية الأرض عبر حلفائها في حزب الإصلاح.
وفي مواجهة الإمارات والسعودية اللتين اتخذتا موقفاً حاسماً من تنظيم الإخوان المسلمين في كل البلدان العربية ظهرت تعز كساحة للمعركة بين قطر والعاصمتين السعودية والاماراتية، حيث يمتلك حزب الإصلاح حضورا عسكريا وشعبيا كبيرا يواجه بقوى مناهضة تساندها الامارات لتقليص هذا النفوذ.
وبدأت المعركة باستهداف الرياض مدعومة بالولايات المتحدة للمؤسسات الخيرية التي استخدمتها قطر كغطاء لتمويل الجماعات الدينية ومن بينها اليمن، فكانت مؤسسة عيد آل ثانى الخيرية واحدة من الأذرع القطرية في اليمن وارتبطت المؤسسة بشراكة مع جمعيات خيرية يديرها الإخوان المسلمون كغطاء لأنشطتهم السياسية ومن شركائها “ائتلاف الخير” الذى يرأسه يوسف القرضاوى الأب الروحي لجماعة الإخوان والذي يحظى بمكانة خاصة داخل الديوان الأميري في قطر، وتذهب 90% من أموال تبرعات هذه المؤسسة لدعم الإرهاب فى سوريا واليمن وليبيا.
كما وفرت المؤسسة، وفقاً لما جاء في قرار حظر أنشطتها، العلاج لجرحى الإخوان وداعش والقاعدة فى الدوحة، وقدمت مساعدات إنسانية لقيادات إخوانية يمنية مرتبطة بتنظيم القاعدة.
ورصدت وزارة الخزانة الامريكية تحويل هذه الجمعية مبلغ 500 مليون دولار عبر شركة يمنية للصرافة وضعتها الولايات المتحدة ضمن الشركات الداعمة للإرهاب وجمدت أرصدة ملاكها. كما رصد إنفاقها أكثر من 30 مليون دولار فدية للأسرى لدى القاعدة بينهم رهائن أجانب في اليمن، وبالمثل جمعية الإحسان الخيرية في اليمن والتي يرأسها عبدالله اليزيدي، حيث أظهرت الوثائق أنها بدأت عملها في يونيو عام 2017، بالتعاون مع مؤسسة قطر الخيرية لتنفيذ مشاريع في اليمن وبعد شهر واحد فقط على تأسيسها أي يوليو 2017، حدّدت جمعية الإحسان المؤسسات القطرية «راف» ومؤسسة «عيد» الخيرية و«قطر» الخيرية كـ«شركاء لها في التنمية». كما تعاونت جمعية الإحسان مع مؤسسة الرحمة الخيرية في حضرموت، التي تعتبر واجهة للقاعدة في شبه الجزيرة العربية، بحسب تقرير الحكومة الأميركية.
ومع تصاعد المواجهة القطرية الإماراتية إعلاميا وميدانيا في اليمن فوجئ المتابعون بتأسيس حزب الإصلاح مليشيات مسلحة باسم كتائب الحشد الشعبي في تعز لدعم ومساندة قوات الجيش هناك مع أنه يسيطر على غالب الوحدات العسكرية النظامي، وقدرت المصادر التحاق نحو 5 آلاف من عناصر الحزب والمؤيدين له في هذه التشكيلات المسلحة، ونظر إلى هذه الخطوة على أنها خطوة استباقية لأي إجراء من شأنه إعادة هيكلة وحدات الجيش وإبعاد القادة العسكريين المحسوبين على حزب الإصلاح من قيادة المحور والألوية هناك.
وفِي ظل أحاديث عن توزيع أدور داخل قيادة وصفوف الإصلاح بين جناح تقوده القيادية توكل كرمان ويعمل لصالح قطر ومشروعها الذي يشرف عليه قادة التنظيم الدولي للإخوان، وجناح آخر يقوده رئيس الحزب محمد اليدومي وأمينه العام عبد الوهاب الآنسي والذي احتفظ بموقف مساند للتحالف بقيادة السعودية من أجل ضمان استمرار الهيمنة على القرار في الحكومة المعترف بها دولياً، والاحتفاظ بالوجود الكبير في قوات الجيش الوطني، تقدم الجناح الموالي لقطر خطوة أخرى في تعز وأعلن عن تأسيس هيئة وطنية لحماية السيادة ودحر الانقلاب برئاسة فيصل الحذيفي ونائبه ياسين التميمي أحد مساعدي القيادية توكل كرمان.