مهانة المجتمع الذكوري


منصة ٢٦ سبتمبر – بقلم/ عبدالله الدهمشي

وجه الأنثى عورة وفتنة هي الأشد على الأمة بعد محمد (ص)
صوت المرأة عورة، وفتنة، ولهذا وجب شرعاً تغطية العورة وحجب الفتنة، ولهذا وجب شرعاً, اتقاء الشبهات بتحريم الاختلاط وفصل الذكور عن الإناث في مواطن العلم والعمل والنشاط العام.

وبهذا وجب شرعاً تحريم تعلم الأنثى وعملها, وإن سمح لها فبشروط تقتضي العزل والفصل، وكان هذا هو الإسلام الذي أقيمت بمرجعيته البنى الاجتماعية وعلاقاتها البينية وأعرافها العامة والخاصة.

وبهذا، تحدد الأساس الجنسي للتواصل الاجتماعي بين الأفراد والأسر والجماعات، ليكون الاتصال مفتوحاً على الجنس فقط حيث الذكور يتواصلون بجنسهم والاناث بجنسهن، ولا صلة ولا تواصل بين الجنسين لا على مستوى الأفراد ولا على مستوى الأسر والجماعات، فالجنس فاصل وعازل، حتى بين الأقارب والأرحام.

إن هذا هو الوضع المجتمعي السائد في اليمن، وهو وضع محمود ومستحسن عند العامة والخاصة، لأنه يضمن عفة المجتمع وسلامة أفراده من الخطيئة والمفاسد، ويجعل المجتمع تقياً طاهراً وآمناً من فتن الوجه والصوت وبعيداً عن الشبهات، ولا يتردد كثير من عامة الناس وخاصتهم في ادعاء أن هذا من مظاهر عظمة الاسلام وتفوقه في مجال حفظ الإنسان وصون عفة المجتمع وطهارته.

غير أن لهذا الوضع وجه آخر, فهو وضع يقوم على أساس من الاستعلاء الذكوري وما يترتب عليه من تمييز للذكور وامتيازات للذكورة، تصل إلى حد أن تلغي إنسانية الأنثى ويصادر ما لها بهذه الإنسانية من مقام ودور ومن كرامة وحقوق، حين تكون الخيرية للذكور حصراً، لا لشيء سوى أنهم خلقواً ذكوراً وخلقن إناثاً.

أ. عبدالله الدهمشي

دعوني هنا أقول ما لا يغضبكم ويقيم ثورتكم عليَّ، فلن أدعو إلى تحرير المرأة ومساواتها بالرجل وتمكينها من إنسانيتها وحقوقها، بل سأدعوكم إلى التفكير بالوضع الذكوري الراهن، وأسألكم هل يتمتع رجالنا بإنسانيتهم ومالهم بهذه الإنسانية من كرامة وحقوق؟ فإن أجبتم نعم، فلا مشكلة إذاً ولا نقاش، وإن أجبتم بالنفي فإن المشكلة تقتضي منا التفكير والنقاش، والبحث عن إنسانية الرجل المهدورة في مجتمعة والمهانة في وطنه، والمصادرة كرامتها وحقوقها من دولته وحكومته؟

وهنا أقول, إن ذكور المجتمع اليمني لا يرون أنفسهم إلا ذكوراً فقط، فهم لا يدركون إنسانيتهم ولا يعترفون بها سمة مميزة لوجودهم على الأرض ودورهم فيها، وبهذا تغيب إنسانيتهم ويعلو فوقها جنسهم، ليكونوا مجتمعاً ذكورياً يتفاضل أفراده بصفات الذكورة فقط، حيث يستمر التمييز وامتيازاته للذكر ولكن ليس لكل الذكور، بل للذكر الأقوى والأغنى والأعلى حسباً ونسباً، والأشرف مكانة ومقاما.

لا يعترف مجتمعنا اليمني بإنسانية وجوده في الفرد والجماعة، بل يعترف بالذكورة ويقيم عليها تصوره للكون والحياة وللفرد والمجتمع وللمواقع والأدوار، حيث الذكر خير من الأنثى لأنه خلق ذكر, وحيت المجتمع ذكور يتميزون عن الإناث، ويمتازون بالقيادة والسيادة، لكن الذكورة وحدها ليست قاعدة للمساواة بين أفرادها، فهناك تمييز آخر، يقوم على ذات الفكرة التي تميز بها الذكر على الأنثى، ولكنه يفاضل بين الذكور على أساس القوة والثروة والمكانة والمهنة والحسب والنسب، فهناك تصنيف للذكورة في فئات تنقسم إلى شريف وحقير وبينهما وسط لا يعلو إلى الملأ الأعلى ولا يهبط إلى الأدنى من الأراذل والضعفاء.

ولا تحسبن نفسك ذكراً لتكون الأعلى مقامة ومكانة، ففي المجتمع الذكوري تتعدد الامتيازات، لتجعل من ذكور فئة مجتمعية مثل الجزارين والفلاحين والعمال، أدنى مقاماً من نساء فئة مجتمعية تستعلى بقوتها وثروتها وما تزعم أنه نسبها الشريف وحسبها الكريم.

لا يصلح الاسلام في مجتمع ذكوري كهذا أن يكون مرجعية للأخوة والمساواة بين المؤمنين به ديناً، لا لأن الاسلام لا يتضمن ذلك في قيمه ومنهاجه، بل لأن هذا المجتمع أقام التمييز الذكوري بمرجعية نسبها إلى الاسلام، وألغى بها حقيقة الإنسانية ليكون الاسلام ديناً ذكورياً، يقصي النساء عن مقام ذكوره في الإيمان والعمل وفي العبادات والمعاملات، فالأنثى بإسلام مجتمع الذكور عورة وفتنة واحبولة الشيطان.

وهكذا تهيمن الامتيازات على المجتمع الذكوري فالمسلم من الفئات الأدنى مكانة لا يكافئ المسلمة مثله من الفئات الأرقى والأعلى، وذلك لأن هذا الذكر رغم كونه أعلى وأرفع من الأنثى، يعمل بمهنة محتقرة في المجتمع، ولا يعتد بما لديه بعد ذلك من حميد الصفات ومكارم الأخلاق، فالمفاضلة تتم على أساس لا خيار للإنسان فيه، ولا جهد له في كسبه، كأن يخلق ذكراً من أسرة غنية تميزت بعلو مقامها وكريم حسبها وأصيل نسبها، فلا قيمة في المجتمع الذكوري للإنسانية ولا قيمة للعمل أيضاً، فالعامل الذي ينتج ويكسب بعرق جبينه أدنى وأقل قدراً من عاطل متبطل يصرف ثروة أبويه ولا يصنع لنفسه شيئاً ولا ينتج لمجتمعه دبوساً.

إن الذكور في مجتمعنا يمتهنون بهذه الذكورة لأنهم لم يرتقوا أبداً بإنسانيتهم التي تقوم المساواة بها وعليها، ثم يتفاضل أفرادها بالعلم والعمل ومكارم الأخلاق، والاسلام دين هذه الإنسانية لأنه دين الذي خلق الإنسان وكرمه وعلمه البيان، وهنا أقول دعوني أدعو ذكور مجتمعي إلى تحرير أنفسهم من المهانة والهوان، واستعادة انسانيتهم المهدورة والتمتع بما لها من كرامة وحقوق، لنكون حقاً مجتمعاً إنسانياً كريماً وعزيزاً، لكن هذه الإنسانية لا تكون ولا تقوم إلا بزوجيها: الذكر والأنثى، خالصة من مفاسد الانقسام الذميم بين مجتمع الذكور ومجتمع الحريم.

المقال من صفحة الكاتب على الفيسبوك

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى