الزيدية وعيد الغدير
منصة ٢٦ سبتمبر – د. محمد أحمد الكبسي
لقد اعتاد الشيعة الغلاة على الاحتفال في يوم 18 من ذي الحجة بما يسمى عيد الغدير، ويزعمون أن في هذا اليوم أوصى النبي (صلى الله عليه وسلم) لعلي بالخلافة في مكان يدعى غدير خم، وأعلن هذا على ملأ من صحابته، وهذه العقيدة تنسب إلى غلاة الشيعة من الاثني عشرية والجعفرية وغيرهم.
من يقرأ كتب الزيدية يعلم يقينا أن مذهب الإمام زيد رضي الله عنه يقوم على أساس صحة خلافة الشيخين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، وبهذا كانت الزيدية أقرب فرق الشيعة إلى السنة ، ومن هنا قررت الزيدية القاعدة المشهورة ( يصح ولاية المفضول مع وجود الفاضل ) في إشارة إلى صحة خلافة الشيخين، بل إن سبب تميز الإمام زيد رضي الله عنه عن الرافضة الغلاة هو تعظيمه لشأن الشيخين رضي الله عنهما ورفضه الوقوع فيهما لما طلب ذلك منه غلاة أصحابه، وقد دفع بحياته ثمنا لهذا الرأي بعد أن تخلى عنه الرافضة.
استمرت عقيدة الزيدية على هذا فلم يؤثر عن أحد منهم أنه احتفل بعيد الغدير، فلم يحتفل به زيد بن علي ولا احتفل به آباؤه من قبله (علي، والحسن، والحسين، وزين العابدين) ولا من عاصره (محمد الباقر، وجعفر الصادق) ولا من بعده (أحمد بن عيسى -حفيد زيد-، والقاسم بن إبراهيم، والهادي -حفيد القاسم- وأبناؤه الذين حكموا اليمن لآلاف السنين، وحتى القاسم بن محمد مؤسس الدولة القاسمية في القرن الحادي عشر الهجري) فكيف يُنسب عيد الغدير إلى مذهب الزيدية، وهذه الزيدية خلال ألف عام لم تعرفه ولا دعت إليه؟!
إذن كيف دخلت هذه الفرية إلى اليمن؟ الجواب: دخلت عبر القاضي أحمد بن سعد الدين المسوري (في عهد المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم بن محمد في القرن الحادي عشر الهجري) جاء به من مصر أثناء حكم الدولة الفاطمية لمصر آنذاك، واستطاع إقناع المتوكل على الله إسماعيل به، فهو مذهب دخيل لا علاقة له بالمذهب الزيدي لا من قريب ولا من بعيد، ومن ادعى أن (أحد أئمة المذهب) أو (المحصلين) أو (المذاكرين) له قول بمشروعية عيد الغدير فليأتنا به، وله مهلة من يومنا ليوم الدين.
فما قصة يوم الغدير إذن؟ الجواب: أن القصة كما جاءت في كتب التاريخ الإسلامي (ذكرها ابن كثير في البداية وغيره) لما أقبل علي رضي الله عنه من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، تعجل إلى رسول الله، واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسى كل رجل من القوم حلة من البزّ الذي كان مع علي، فلما دنا الجيش خرج عليّ رضي الله عنه ليلقاهم، فإذا عليهم الحلل، قال: ويلك ما هذا؟ قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس. قال ويلك: انزع قبل أن ينتهي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فانتزع الحلل من الناس، فردها في البزّ، وعنّف الذي استخلفه ولامه على ما فعل، فأظهر الجيش التذمر والشكوى واختلفوا معه وتوعدوه أن يخبروا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ما لقوه من الغلظة والشدة ، ففشت القالة في علي رضي الله عنه وأكثروا من الكلام عليه عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) . يقول بريدة: لما قدمت على رسول الله ذكرت عليا فتنقصته ، فرأيت وجه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يتغير وقال : يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قلت : بلى يا رسول الله قال : من كنت مولاه فعلي مولاه . وقام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فسمعته يقول: (أيها الناس لا تشكوا عليا فوالله إنه لأخشى في ذات الله من أن يشكي)، وكانت هذه الخطبة في مكان يجتمع فيه الماء يسمى (غدير خُم) بين مكة والمدينة، ولهذا اشتهرت القصة باسم غدير خُم.
فقام غلاة الشيعة وصاغوا الأساطير الكثيرة في هذا الشأن وقالوا إن الأمر لم يقتصر على هذا بل إن النبي (صلى الله عليه وسلم) أعلن خلافة عليا بعده وأمر الصحابة بأن يبايعوه وعاهدهم على ذلك وسموا عليا لهذا السبب وصيا وجعلوا الولاية والوصاية له من أصول الإسلام التي لا يصح إسلام إنسان إلا بها، فكذبوا على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وعلى أصحابه وعلى عباد الله المؤمنين.
وهنا أضع هذه الأسئلة أمام كل عاقل ينشد الحق ويطلبه:
1- ما دامت الولاية بهذه الأهمية عندكم فلمَ لم تنزل فيها آية صريحة؟ ولماذا لم تذكر هذه البيعة في القرآن مع أنه قد ذكرت بيعة أقل شأنا منها وهي بيعة الرضوان؟
2- لماذا لم يذكر النبي (صلى الله عليه وسلم) البيعة لعلي وهو في مكة ولا زال حجاج بيت الله من كل أرجاء الجزيرة العربية موجودين، بل تأخر في هذا البلاغ حتى غادر الحجاج وعاد من مكة وابتعد عنها ووصل إلى غدير خم الذي يبعد عن مكة (160) كم ؟
3- لماذا لم يذكر علي رضي الله عنه عهد النبي (صلى الله عليه وسلم) له بالخلافة ولم يذكر ذلك في خطبة له قط مع كثرتها ومع وجود الحاجة إلى ذلك؟
4- وإذا كانت الإمامة نصاً في علي وأولاده من بعده فلماذا تنازل الحسن لمعاوية وهو إمام منصوص عليه من الله تبارك وتعالى -بحسب زعمهم-؟ ولماذا مدحه النبي (صلى الله عليه وسلم) على فعله هذا وسماه بالسيد ؟
5- ولماذا بايع عليٌ وأولاده أبا بكر وعمر وعثمان وهم يعلمون أن الله قد جعل الخلافة فيهم وهل عصوا الله بفعلهم هذا؟ وهل خانوا الأمانة بذلك؟ حاشاهم.
6- لماذا لم يذكر أحد من الصحابة هذه الولاية وهم عشرات الآلاف؟ وهل يعقل أنهم جميعا بدون استثناء قد نسوا ذلك؟ أو تواطئوا على كتمانه؟ ولماذا لم يذكر أحد ذلك لا في عصر النبي (صلى الله عليه وسلم) ولا يوم السقيفة الذى تمسك فيه المهاجرون بأحقيتهم في الخلافة وتمسك الأنصار بذلك، ولم يذكر أحدهم حديث غدير خم ولا غيره بما في ذلك الامام علي وآل البيت؟
7- لماذا لم يذكر النبي (صلى الله عليه وسلم) الولاية بلفظ صريح بأن يقول أنت الخليفة من بعدي أو نحو ذلك ما دامت بهذه الأهمية بل يلجأ إلى لفظ محتمل وهو أفصح من نطق بالضاد؟ فيكون سببا في كل هذا الخلاف في الأمة.
8- لماذا لم يخرج عليٌ على أبي بكر وعمر ما دام يملك النص بخلافته من الله؟ وهل كان جبانا – حاشاه – فلم يفعل ذلك؟ ولماذا خرج الحسين على يزيد ولم يخرج على معاوية ؟ مع أنه عاش خلافة معاوية بعد موت الحسن إحدى عشرة سنة؟
9- والأهم من هذا وذاك كيف يوافق الإمام علي بأمر التحكيم بينه وبين معاوية ما دامت ولايته بأمر الله وركن من أركان الإسلام ، أليس هذا عصيان لأمر الله ؟
10- كيف يقبل عليٌ أن يزوج ابنته من عمر وهو مخالف لأمر الله وعاص له باغتصاب الخلافة منه ؟ كما يزعمون.
11- ما دام يوم الغدير بهذه الأهمية عندهم فلماذا لم يحتفل به النبي (صلى الله عليه وسلم) ؟ أو يأمر بذلك ؟ ولماذا لم يحتفل به الصحابة؟ بل لماذا لم يحتفل به عليّ نفسه وأهل بيته ؟
12- وأما السؤال الأعجب من هذا كله فلماذا أصلا يحيي الشيعة أنفسهم هذا الأمر ما دام أن عليا رضي الله عنه قد توفي وتوفي أولاده وذريته الاثنا عشر الذين يزعمون أن الإمامة فيهم ؟ أليست هذه محاولة لإيغار الصدور ونشر الخلاف وزرع الفتنة ؟ ومحاولة للوصول إلى السلطة باستخدام هذه الطرق الاستعلائية والعرقية .
أسئلة لا تنتهي أطرحها على عقلاء الشيعة والزيدية الذين تركوا مذهب الإمام زيد ليعتنقوا مذهب الرافضة الغلاة.