موظفون بلا رواتب… “جبايات الحوثيين” تدفع اليمنيين إلى دائرة الفقر…!

خلود الحلالي – أندبندنت:

يدفع المواطنون في اليمن فاتورةً اقتصاديّة وإنسانيّة باهظة الثمن، مع استمرار تصاعد حدة الصراع الدامي الذي يعصف بالبلاد منذ أكثر من أربع سنوات، ففي العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثيين، يعاني السكان تدهوراً مستمراً في معيشتهم، وبات أغلبهم تحت خط الفقر.

– سلطة جبايات

وتفاقمت الأوضاع المعيشيّة للمواطنين، خصوصاً في مناطق سيطرة الحوثيين مع انقطاع الرواتب، وتوقف كثيرٍ من شركات القطاع الخاص، وارتفاع نسبة البطالة وفقدان مئات الآلاف وظائفهم.

كما وجد المتقاعدون أنفسهم دون رواتب، بعد أن سيطرت الجماعة الحوثيّة على أموال صناديق التقاعد، التي تقدر بنحو ملياري ريال يمني (نحو 8 ملايين دولار أميركي)، مقابل أن الحكومة الشرعيّة لا ترى ذلك ضمن سُلّم اهتماماتها.

وتعدُّ جماعة الحوثي سلطة جبايات بدرجة أولى، فمنذ سيطرتها على العاصمة صنعاء بقوة السلاح سارعت الجماعة الحوثيّة في وضع يدها على المؤسسات الاقتصاديّة ذات الطابع الإيرادي، مثل شركة “النفط”، وشركة “كمران”، وشركة “يمن موبايل”، و”المؤسسة الاقتصاديّة”، والمؤسسة العامة للاتصالات السلكيّة واللاسلكيّة، والمؤسسة العامة للبريد والتوفير البريدي، ومصلحة الضرائب، ومصلحة الجمارك، وإيرادات أمانة العاصمة، بالمقابل لا تُنفق أيٌّ من تلك الأموال على المواطنين.

وأسست الجماعة الحوثيّة شبكة واسعة من الجبايات المفروضة على الشركات والتجار والمواطنين بمختلف المسميات والذرائع، التي تدر مبالغ ماليّة باهظة إلى خزائنها متخففة من أي التزامات تجاه المواطنين مع توقف الإنفاق الاستثماري، ووقف رواتب الموظفين منذ العام 2016 مع قرار نقل البنك المركزي اليمني إلى عدن، الذي ترى الجماعة أنه أعفاها من أي التزامات تجاه المواطنين في مناطق سيطرتها، متحججة بأن البنك لم يعد تحت سيطرتها.

– تصفيّة الصناديق الخاصة

وبعد استحواذها على الكتلة النقديّة في البنك المركزي بصنعاء وما تلى ذلك من أزمة سيولة خانقة في القطاع المصرفي وتأسيس شبكة واسعة من الصرافين، الذين يعملون على إعادة تدوير الأموال التي تتحصل عليها الجماعة سواءً من الدعم الذي يصلها من جهات خارجيّة أو تلك التي نهبتها من المؤسسات الإيراديّة أو من نهبها ممتلكات المواطنين والتجار في مناطق سيطرتها، لجأت الجماعة إلى تصفيّة الصناديق الخاصة مثل صناديق النشء والشباب والتأمينات الاجتماعيّة الخاصة بدفع رواتب المتقاعدين، وغيرها من المؤسسات التي تتمتع بملاءة ماليّة فتحت شهيّة الجماعة الحوثيّة لابتلاعها.

وقال وزير المالية السابق في حكومة الحوثيين رشيد أبو لحوم انه تم إبلاغ البنك المركزي بصرف نصف راتب، وتعميم ذلك لكافة وحدات “مؤسسات الدولة” بسرعة تجهيز كشوف المرتبات للموظفين للصرف الأسبوع القادم.

واعتبر أبو لحوم أن “وزارة المالية بصنعاء لا تدخر جهدا في سبيل توفير الممكن من المرتبات والضروري من النفقات التشغيلية لمؤسسات الدولة لتتمكن من تقديم خدماتها لكافة المواطنين حسب الإمكانيات والإيرادات المتاحة.”

وقال اقتصاديون، في تصريحات لـ”اندبندنت عربيّة”، إن جماعة الحوثي عززت سلطة الجبايات بـ”سن تعديلات غير دستوريّة على قوانين الضرائب والزكاة رفعت بموجبها ضريبة المبيعات على اتصالات الهاتف النقال والدولي وخدمات الهاتف الثابت والإنترنت وضريبة المبيعات على السجائر المحليّة والمستوردة والتبغ”.

وكشفت تقارير عن زيادة ضريبة المبيعات على السيارات، إذ قدّرت مصادر اقتصاديّة في تصريحات خاصة، عائدات الجماعة الحوثيّة من الضرائب خلال العام 2018 بـ500 مليار ريال يمني (نحو ملياري دولار أميركي).

– منافذ جمركيّة… إتاوة جديدة

ونوهوا إلى أن الجماعة الحوثيّة استحدثت هيئة خاصة بالزكاة، عممت بموجب قرار تأسيسها على جميع الشركات والتجار منع توزيع أي صدقات من بند الزكاة خارج إطار هيئتها المستحدثة، كما فعَّلت فرقها الميدانيّة لجمع الجبايات والإتاوات حتى على مستوى البوادي والقرى والأرياف، ما يزيد حالة من السخط المجتمعي تجاه سلطات الحوثي، التي يراها المواطنون سلطة جبايات.

ومنذ سيطرتها على العاصمة صنعاء وبعض المدن أواخر سبتمبر (أيلول) 2014، استحدثت الجماعة كذلك منافذ جمركيّة على مداخل تلك المدن لتحصيل إتاوات تحت مسمى جمارك أو ضرائب، مستغلين واجهة مؤسسات الدولة التي بسطوا سيطرتهم عليها، إذ يضطر التجار إلى دفع مبالغ طائلة تحت هذه البنود، دون الحصول على سند رسمي بذلك.

وفي قرارها لتحرير سوق المشتقات النفطيّة في العام 2015 أضافت الجماعة الحوثيّة 100 ريال (نحو 40 سنتاً أميركياً) على كل جالون بنزين، وخمسة ريالات (أقل من سنت أميركي) على كل لتر بنزين تحت اسم إنشاء المحطة الكهربائيّة وزيادة 75 فلساً على كل لتر تحت اسم رصيف نفطي، وجميع تلك الأموال وعلى مدى أربع سنوات ذهبت إلى خزائن الجماعة، وازداد المواطنون فقراً وجوعاً في مناطق سيطرتها.

كما فتحت الجماعة الحوثيّة ملفات ضريبيّة متأخرة على الشركات والبنوك تقدر قيمتها بأكثر من مئتي مليار ريال (نحو 800 مليون دولار أميركي)، كما طالبت ملاك العقارات والمباني بضرائب عن 18 سنة مضت في أكبر ابتزاز لسلطة جبايات شهدها اليمن.

– موظفون بلا رواتب

كل هذه الأموال الهائلة التي تتحصّل عليها الجماعة ولا يزال موظفو مؤسسات الدولة في اليمن بلا رواتب في المحافظات، التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، وتلك هي الأزمة الأشد إنهاكاً لمئات الآلاف من الموظفين كأكبر كارثة إنسانيّة في اليمن تركت تأثيراتها السلبيّة على حياة ملايين اليمنيين، وبات كل بيت في اليمن يعاني تبعات انقطاع الرواتب.

لم يجد الموظفون جهة تتبنى مطالبهم وتدافع عن حقوقهم، فالجماعة الحوثيّة تنصّلت من التزاماتها، واتخذت من قضيّة انقطاع الرواتب ذريعة في حربها مع الحكومة الشرعيّة، التي بدورها حاولت في الفترة الأخيرة دفع رواتب بعض الجهات تحت ضغط المجتمع الدولي لتضيع حقوق مئات الآلاف من الموظفين وسط تبادل الاتهامات بين طرفي الصراع.

وترك كثيرٌ من الموظفين أعمالهم الحكوميّة، واتجهوا إلى القطاع الخاص ليدبروا أمور معيشتهم، في حين ظل المدرسون والعاملون في قطاع التعليم مجبرين على أداء عملهم بسبب تهديدهم بالفصل والاستبدال، وكانوا الأكثر تضرراً من توقف صرف الرواتب، إذ لا يعد هذا القطاع جهة إيراديّة يمكن أن توفر لموظفيها مبالغ بسيطة من وقتٍ لآخر كالقطاعات الأخرى.

– قصص مأساوية

وتوجد قصصٌ مأساويّة يعانيها الموظفون في مؤسسات الدولة جراء انقطاع رواتبهم واستمرار جماعة الحوثي بالتعامل مع القضيّة باستفزاز كبير من خلال التجاهل والتخلي عن المسؤوليّة في مطالبات الموظفين حتى أولئك الذين ما زالوا يعملون بانضباط.

تقول أم فهد، موظفة حكوميّة، في حديثها مع “اندبندنت عربيّة”، “كنت مستورة، وأموري الحمد لله. مَرِضَ زوجي وكنّا عايشين على راتبي وعندي بنت وولد. توفي زوجي وبعد فترة انقطع الراتب، وبعدها لم أجد أحداً يعولني وأطفالي، وحتى أهلي ما عندي لا أب ولا أم”.

وأضافت، “الشيء اللي ربنا ساتر علي أن بيتي ملك. لكن ما عندي ما يدرس أطفالي ويأكلهم، فاضطررت إلى أن أعمل (شغالة) عند ناس معاريف، أنتهي من العمل عصراً، وأذهب إليهم، وأنتهي في المغرب، وأتجه إلى أولادي، أعدّ لهم الطعام”.

وتؤكد أم فهد، أنها رغم انقطاع راتبها الحكومي، فإنها “مجبرة على الدوام”، لأن إذا ما داومت ستفصلها جماعة الحوثي من عملها أو تأتي بالبديل، تقول “أحياناً يكون العمل كثيراً، وما أقدر أذهب للعمل عند الناس، فاضطر أسوّي آيس كريم وابني يبيع وأكسب مصروف أولادي لمدرستهم”.

أمَّا أم أحمد، مدرسة، فتقول “منذ عام 2017 إلى الآن لم أدفع إيجار البيت، عندنا لصاحب البيت فوق المليوني ريال ( نحو ثلاثة آلاف و636 دولارا أميركيا) مقابل إيجارات السكن، إضافة إلى ديون البقالة والصيدليّة. لديّ خمسة أطفال، وأنا وزوجي موظفان حكوميان، وجميعنا بلا راتب”.

وتضيف، “بعت ذهبي، ولا عاد معي شيء أبيعه، حتى أطفالي خرجتهم من المدارس الخاصة، وأدخلتهم حكومي. أتقاضى نصف راتب فقط في رمضان وعيد الفطر وعيد الأضحى، ومن السنة اللي فاتت نزلت جماعة الحوثي قرارا بأخذ من الطلاب ألف ريال (نحو 4 دولارات أميركية) شهرياً، ويوزعوا للمعلمين على حسب مزاجهم كل شهر ثمانيّة آلاف ريال (نحو 32 دولارا أميركيا) أو أقل رغم أن المبلغ اللي يستلموه مجلس الآباء كثير”.

– هل تتكفل إيران بدفع رواتب الموظفين؟

وفيما تتخلى الجماعة الحوثيّة عن أي التزاماتها تجاه الموظفين، عبَّر القيادي في الجماعة محمد علي الحوثي عن أمله أن تتكفل إيران بدفع رواتب الموظفين في مناطق الخضوع.

وخاطب رئيس وفد الجماعة في مفاوضات السلام قائلاً “إذا كان لدى الأجهزة الرسميّة الإيرانيّة القناعة التامة بدعمنا في اليمن، فنتمنى أن يكون في الجانب الإنساني وعلى رأس هذا الجانب مرتبات الموظفين الشهريّة في اليمن”.

وأضاف، “بإمكان الحكومة أن تخصص الوسيط لهذا الجانب الأمم المتحدة، وهذا هو العمل المجدي والضروري باليمن”.

بينما اعتبر مراقبون كلام القيادي الحوثي “محاولةً للتنصل عن مسؤوليّة الجماعة عن التزاماتها تجاه الموظفين، وحاجتها إلى المال لدفع الرواتب واكتفائها بدفع راتب واحد في العام مقسوماً إلى نصفين كل ستة أشهر، وتبرر قرار صرفها هذا المبلغ الزهيد بأنه تقدير للأوضاع المعيشيّة الصعبة للموظفين، بما يعني أنها تحللت من أي مسؤوليّة تجاه المواطنين في مناطق سيطرتها، ولا ترى فيهم إلا مورداً للجبايات أو وقوداً لحروبها”.

وبالنسبة إلى الحكومة الشرعيّة فتكتفي بإلقاء اللوم على الجماعة الحوثيّة لتحول قضيّة انقطاع الراتب من قضيّة إنسانيّة تنذر بتداعيات كارثيّة خطيرة إلى مجرد بند للتفاوض والضغط والدعايّة الإعلاميّة في إطار صراعها مع الجماعة الحوثيّة، إذ حاولت “اندبندنت عربيّة” التواصل مع وزير ماليّة الحكومة الشرعيّة لمعرفة خطط الحكومة لدفع رواتب جميع الموظفين، غير أنه اعتذر عن الإدلاء بأي تصريح.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى