ألغام شبوة تهدِّد اتفاق الرياض.. هل تتبخَّر مجدَّداً آمال التسوية السياسية في اليمن؟!

عدن – منصة 26 سبتمبر – متابعات خاصة :
المصدر : “مدى برس”

بحسب المُعطيات الأولية فإنّ مصير اتفاق الرياض يبدو محكوماً بخيارين كارثيين: إما وأن يكون “اسوكهولم جديد” بمعنى أن يستولد توقيعه تهدئة هشَّة من دون تسوية سياسية، أو أنه في طريقه إلى الانهيار رغم ثقل الوساطة السعودية التي ما زالت تكبح أي مغامرات غير محسوبة من طرفي الاتفاق، لكنها ما زالت عاجزة حتى الآن عن حلحلة التعقيدات الموضوعية أو المُصطنَعة.

في البداية مثَّل تعثر اتفاق الرياض أمام جدوله الزمني مؤشراً سلبياً خفض منسوب التفاؤل لدى الأوساط السياسية اليمنية. واليوم وبعد مرور شهرين على توقيع الاتفاق دون إنجاز خطوة ملموسة (سياسياً أو أمنياً) يرتفع منسوب الاحتقان السياسي والاجتماعي إلى درجاته القصوى، وتتصاعد عمليات التحشيد الميداني على نحو يذكِّرنا بما حصل في أغسطس 2019 ويناير 2018م.

وهكذا تأتي مُحصلة ما بعد توقيع الاتفاق لتكرس انعدام الثقة بين أطراف الصراع، ولتسمّم الأجواء السّياسية بما يحول دون القدرة على بلورة أي توافقات، أو الاستعداد لتقديم أي تنازلات.

وبحسب مصادر سياسية مطلعة، وبالنظر إلى تدافع الأحداث في شبوة وعدن وتعز؛ فإنَّ طرفي المعادلة السياسية لم يعودا يفكران بكيفية تطبيق الاتفاق بما يخدم مصالحهما المشتركة. بل باتا يفكران جدياً بسيناريو “ما بعد الرياض”، وما ينضوي عليه من اختبارات قوة وتصادمات بينية.

المجلس الانتقالي الجنوبي من جانبه بادر إلى تحريك الجمود السياسي بتعليق مشاركته في اللجان المشتركة لتنفيذ اتفاق الرياض. وقد كانت أحداث شبوة الأخيرة وما تخللها من انتهاكات حقوقية ومناوشات مسلحة، هي القطرة التي أفاضت كأس المجلس الانتقالي.

بطبيعة الحال فإنَّ تحفُّظات الانتقالي لا تقتصر على شبوة، بل تمتد لتشمل طبيعة المقايضة التي يطمح إليها المجلس؛ فمن جهة تبعث قيادة الانتقالي رسالة إلى الضامن السعودي كي يمارس ضغوطاً إضافية على الشرعية، ومن جهة أخرى تقول إنها لن تتخلى عن قاعدتها التفاوضية: “هيكلة القوات الأمنية في عدن في مقابل انسحاب القوات العسكرية من شبوة”.

بحسب مسودة الاتفاق فإنَّ شروط الانتقالي تجد مشروعيتها في بنود الاتفاق، لكن تمسَّكه الصريح بشبوة دون غيرها (مثل تشكيل الحكومة وتغير السلطة المحلية)، يعبر بشكل صريح عن أولوياته الاستراتيجية ورغبته في تغيير التوازنات العسكرية في الجنوب أكثر من اهتمامه بتغيير التركيبة السياسية في السلطة.

بعبارة أخرى فإنَّ انسحاب قوات الانتقالي إلى لحج لا بد أن تتزامن مع انسحاب قوات الشرعية إلى مأرب، وتلك هي الضمانة الوحيدة بألا يتكرر سيناريو أغسطس.

لحسن حظ الانتقالي فإنَّ مقاربته هذه تجد قبولاً عند الضامن السعودي، لكن الرياض وإن استطاعت إقناع الشرعية بالانسحاب من شبوة فإنها تواجه أيضاً مشكلة عسكرية وتقنية تتعلق بماهية القوات البديلة.

وبحسب الاتفاق يفترض أن تعود قوات النخبة الشبوانية كي تؤمّن المدينة خصوصاً وأن لها مقبولية شعبية واسعة في المحافظة، ولما تركته من تجربة أمنية فريدة في مكافحة الإرهاب وإحلال السكينة. وكانت عودة النخبة إلى مواقعها السابقة موضع توافق “سعودي- إمارتي” خلال حوار جدة.

وبحسب التوافقات الضمنية بين أبوظبي والرياض، فإن عقيدة وقيادة هذه القوات لا بد أن تتغير (بحيث لا تأخذ أي بعد مناطقي أو استقلالي عن هياكل الدولة)، وعليه تصبح عقيد النخبة “اتحادية” بدلاً عن كونها “انفصالية”، وتدرج تحت قيادة وزارة الدفاع اليمني وتحت نفوذ وتمويل السعودية.

هذه الوصفة (وإن افترضنا أنها محل قبول عام، برغم نفور الانتقالي والشرعية منها على حد سواء)، تتطلب توافقاً سياسياً واسعاً حول إجراءاتها التنفيذية، وتحتاج إلى قدر كبير من الاحترافية والمهنية العسكرية، وإلى وقت طويل لإتمام عملية الهيكلة. وكل عناصر النجاح هذه ما زالت غير متوافرة.

إذن، ستظل محافظة شبوة نقطة ضعف الاتفاق الأساسية، وفيها يمارس الطرفان لعبة عض الأصابع، ومنها تتناسل معوقات إضافية تزيد من صعوبة تطبيق الاتقاق المتعثر.

باختصار.. فإنَّ الانفجارات المُتقطعة لألغام شبوة، سوف تقود بالمحصِّلة إلى إحراق عدن، وقد تؤدي إلى نسف اتفاق الرياض

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى